إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد
أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،أما بعد
فان أعظم وظيفة عرفتها البشرية هي وظيفة الأنبياء والمرسلين ولا شك في ذلك..
فما هي وظيفتهم إذاً؟ إنها الدعوة إلى الله عز وجل وتبليغ رسالة الله إلى
الخلق.. وهذه المهمة العظيمة لا تقوم إلا على أيدي جنود مخلصين يذودون عن هذه
الغاية العظمى وينافحون عن رسل الله ويناصرونهم.. ولما كانت هذه الوظيفة أعظم
وظائف البشر كان لزاماً أن لايتجند لها إلا خيرة البشر. ولذلك كان صحابة رسول
الله صلى الله عليه وسلم أفضل هذه الأمة على الإطلاق،كما في حديث "خير الناس
قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" (1)
وكان أفضل وظيفة لمن بعد الرسل هي الجندية الإسلامية للجهاد والدفاع عن هذا
الدين العظيم يدل على ذلك قول الرسول لمعاذ بن جبل: "ألا أخبرك برأس الأمر
وعموده، وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في
سبيل الله" (2)
وفي حديث ابن مسعود قال: سألت الرسول : أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال:
"الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في
سبيل الله" (3)
ولعلك ترى معي أخي القارئ أن الجهاد هو الذي ينطبق عليه مسمى الوظيفة، أما
الصلاة والبر فهي أعمال فردية.
والجندية والجهاد وجهان لشيء واحد، وهو أمر واضح فإن كل أعمال الجندي المسلم
جهاد فالجهاد أوسع من أن يُفهم منه القتال فحسب.. بل هو أنواع منها:
أولاً: جهاد الكفار والمحاربين.
ويكون باليد، والمال، واللسان، والقلب لقوله : (جاهدوا المشركين بأموالكم
وأنفسكم وألسنتكم). (4)
ثانيا: جهاد الفساق .
ويكون باليد واللسان والقلب، لقوله : "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم
يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"(رواه مسلم).
ثالثا: جهاد الشيطان.
ويكون بدفع ما يأتي به من الشبهات، وترك ما يزينه من الشهوات، لقوله تعالى: (
ولا يغرنكم بالله الغرور ) (5) وقوله سبحانه: ( إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه
عدواً ) (6)
رابعاً: جهاد النفس.
ويكون بحملها على أن تتعلم أمور الدين وتعمل بها وتعلمها، وبصرفها عن هواها.وقد
سمى الرسول صلى الله عليه وسلم :خدمة الوالدين جهاداً فقال: (ففيهما فجاهد..)
(7).
جنود الله:
إن الله سبحانه ليس في حاجة إلى من يدافع عن دينه، فلو أراد سبحانه وتعالى لآمن
من في الأرض جميعاً كما قال تعالى: (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن
من الجاهلين ) ( ولكنه الابتلاء والامتحان .
والفصل بين أهل الحق وأهل الباطل، وحتى ينال المؤمنون النصر والتأييد من ربهم،
كما قال تعالى: (..ولينصرن الله من ينصره ) (9)
وقال تعالىإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) (10)
فإذا علم الله صدق المؤمنين سخّر لهم جنود السماوات والأرض، ومن هنا يمتاز
الجندي المسلم على من سواه من أهل الباطل بأنه يملك السلاح الذي لا يقاوم مهما
أُوتي العدو من المضادات التقنية المتطورة، حيث يسخر الله الملائكة تقاتل مع
المؤمنين، وكذلك يسخر الرياح والأمطار ولربما زلزل الأرض من تحت أقدام
الكافرين.. إلى غير ذلك، فإن كل ما في هذا الكون جنودٌ لله تنقاد بأمره وتخضع
لطاعته كما قال تعالى: (ولله جنود السماوات والأرض..الآية )
(11)وقوله..فأرسلنا عليكم ريحاً وجنوداً لم تروها..الآية) (12) وقوله
تعالى..وما يعلم جنود ربك إلا هو..)الآية (13)
الحرب شقان عسكرية وفكريـة :
مما سبق يعلم أن الجندي المؤمن حقاً لا يأبه بالعدو مهما تفوق في عدده وعدته
لأنه يعلم أن كل ما في هذا الكون يسير بأمر الله، فإن القنابل الذرية أو
العنقودية أو الصواريخ والمدافع والراجمات وغيرها من الأسلحة التي يمتلكها
العدو لا تخرج عن إرادة الله سبحانه وإذا أراد أن يسلبها خواصها فإن ذلك لا
يعجزه سبحانه وتعالى، كما سلب خاصية الإحراق من النار عن إبراهيم عليه السلام
عندما قُذف فيها..
وكذلك سلب خاصية الاختناق في أعماق البحر وداخل بطن الحوت عن يونس عليه
السلام.. وهذا كله يُحتم على الجندي المسلم أن يكون قوي الصلة بالله تعالى
فيلتزم بأمر الله تعالى مهما كان في ذلك من تبعةٍ، ومهما كان ما يريد فعله
محبوباً إلى النفس أو مبغوضاً إليها وإن غضب من غضب من البشر، فإن من أرضى الله
بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن أغضب الله برضى الناس سخط الله
عليه وأسخط عليه الناس.
وبهذا الأمر يتضح لمن تمعن فيه لماذا أصبح المسلمون أذلةً وتغلب عليهم العدو
حيث إنهم لم يلتزموا بأمر الله كما ينبغي، فقطع الله عنهم المدد ووكلهم إلى
أنفسهم فتغلب عليهم العدو بتفوقه في العدة وبقوته المادية.
ولمّا عرف أعداؤنا ذلك وأنهم لا يستطيعون مقابلة جند الله. سعوا في إبعاد
المسلمين عن دينهم حتى يبطلوا هذا السلاح الذي لا طاقة لهم به فلا يبقى إلا
القوة المادية وبالتالي تختل المعادلة وتكون لهم الغلبة.. فحولوا الحرب من
عسكرية إلى فكرية.
والحرب الفكرية لا يزال كثيرٌ من أبناء المسلمين لم يعوا حقيقتها ولم يدركوا
خطورتها. ولذلك فإن أولى ما ينبغي أن يعنى به الجندي المسلم في هذا الوقت هو
الوعي بهذه الحرب الشرسة وهذه الحرب الفكرية لها أشكال متعددة يصعب حصرها فمن
ذلك: ـ
1ـ محاولة القضاء على عقيدة الولاء و البراء في نفوس المسلمين، وهذا المبدأ
العقدي وللأسف الشديد قد تلاشى من نفوس كثيرٍ من جنود الإسلام أو كاد.. حتى
أصبحنا نرى من يحب الكافر بل وقد يراه أفضل من المسلمين ويتناسى قول الله عز
وجل لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادّون من حادّ الله
ورسوله..)الآية. (14)
2 ـ إشعالُ أبناء الإسلام وجنود الإسلام فيما لا فائدة فيه، وإلهاؤهم بأنواع
الملهيات.
3 ـ صرفهم عن روح الإسلام الحقيقي، وجعل انتمائهم إلى الإسلام صورياً.
4 ـ إفسادهم أخلاقياً، وإيقاعهم في الخمور، والعلاقات الجنسية المحرّمة وما
شابه ذلك.
5 ـ تشويه صورة الجهاد في نفوس أبناء الإسلام.
6 ـ زرع العداء بين أبناء الإسلام، وتقسيمهم إلى فئات متناحرة.
7 ـ توسيع الهوة بين أبناء الإسلام وقادتهم من الولاة والعلماء إلى غير ذلك مما
لا يخفى على من تأمل ،مما يُحتم على كل من بيده سلطة أن يحذر من مغبة هذه الحرب
الفكرية.. وينبغي أن يُطعّم جنود الإسلام بالتحصين أمام هذا الغزو الفكري.
القوة قوة الفؤاد لا قوة الجسد:
الجندي المسلم الذي يعلم أن الله يؤيده وينصره بجنوده لا يأبه بالعدو مهما كان
يمتلك من قوة ـ بل يكون قلبه مطمئناً بنصر الله ـ ويكون ثابت الجأش، مقداماً لا
يهاب الموت وذلك بخلاف الجندي الذي لا يعرف من الحرب إلا جانبها المادي فحسب
فإنه يكون مذعور القلب ترتعد فرائصه. ولذلك فإن المسلمين الأوائل كان النصر
حليفاً لهم دائماً لهذا السبب. أو قل بعبارة أصح: إن هذا من أقوى الأسباب في
ذلك. وقد عرف الأعداء ذلك فنادوا إلى تحول الحرب إلى حرب فكرية إعلامية.
وبهذه المناسبة مما ينبغي معرفته أن الطاعة وكثرة العبادة تكسب الجندي قوة
جسدية حسية ومما يدل على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته
لفاطمة رضي الله عنها عندما اشتكت عناء البيت وما تلقى من الرحى في يدها وقد
سألته خادماً فقال: "ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أن
تكبرا الله أربعاً وثلاثين، وتسبحاه ثلاثاً وثلاثين، وتحمداه ثلاثاً وثلاثين
فهو خير لكما من خادم" (15) فأذهب الله ما كانت تجد من العناء والمشقة.
ومن ذلك قوله تعالى: (وإلى عادٍ أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من
إله غيره إن أنتم إلا مفترون ..) إلى أن قالَ: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا
إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوةً إلى قوتكم..)الآية (16)
العمل عبادة :
إذا عُلم أن العبادة سببٌ من أسباب القوة فإن عمل الجندي إذا أخلص نيته لله من
أعظم العبادات، فإن العبادة كما عرّفها شيخ الإسلام ابن تيمية هيكل ما يحبه
الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة..)لهذا قال صلى الله عليه
وسلم: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من
صلاة ولا صيام حتى يرجع" (17)
وقال صلى الله عليه وسلم لمن سأله أي الناس أفضل؟ فقال ر : "مؤمنٌ يجاهد في
سبيل الله بنفسه وماله.." (18)
وقال صلى الله عليه وسلم : "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها،
وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في
سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها" (19)
العبادة سبب لحفظ الله للعبد:
كما في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لبن عباس "احفظ الله يحفظك..". (20)
حادثة وعبرة:
وإليك هذه الحادثة التي تريك مدى تأثير العبادة في حفظ الله للعبد:
استدعى نائب مصر يوماً ابن الفرات فقال له: ويحك إن نيتي فيك سيئة، وإني في كل
وقت أريد أن أقبض عليك وأصادرك، فأراك في المنام تمنعني برغيف، وقد رأيتك في
المنام من ليالٍ، وإني كلما أريد القبض عليك تمتنع عليّ، فأمرت جنودي أن
يقاتلوك فجعلوا كلما ضربوك بشيء من سهام وغيرها تتقي الضرب برغيفٍ في يدك فلا
يصل إليك شيء!! فأعلمني ما قصة هذا الرغيف؟. فقال: أيها الوزير إن أمي منذ كنت
صغيراً كل ليلة تضع تحت وسادتي رغيفاً، فإذا أصبحت تصدقتْ به عني، فلم يزل كذلك
دأبها حتى ماتت، فلما ماتت فعلت أنا ذلك مع نفسي فعجب الوزير من ذلك وقال:
والله لا ينالك مني بعد اليوم سوءٌ أبداً ولقد حَسُنَتْ نيتي فيك وقد أحببتك.
(21)
وهذه قصة أخرى، فقد ذكر الطرطوشي وغيره: أنه كان هناك رجلٌ اسمه نظام الملك،
وكان وزيراً لأحد سلاطين السلاجقة، فكان نظام الملك هذا رجلاً صالحاً يتصدق
بالأموال الطائلة على الفقراء والمساكين وحِلَق العلم والمحتاجين وطلاب العلم
والدعاة، حتى قيل إنه كان ينفق سنوياً من بيت المال ستمائة ألف دينار يوزعها
على هؤلاء من خزينة المسلمين من بيت المال.
فجاءه السلطان السلجوقي وكان أصغر منه سناً وهو (أبو الفتوح)، فقال له: يا أبتِ
ـ يعني لكبر سنه ـ قد بلغني أنك تنفق ستمائة ألف دينار من خزينتنا على هؤلاء
الذين لا ينفعوننا بشيء؛ فلاهم جنود في أيديهم سلاح، ولاهم حراس ولا شُرَط، ولا
أعوان ولا كُتَّاب، ولا شيء.. أناس في المساجد أو في حِلَق العلم أو في غير ذلك
فلماذا تصرف لهم هذا المال؟ فقال له نظام الملك: يا ولدي أنا شيخٌ كبيرُ السنِ
أعجميٌ، لعلي لو عُرِضْتُ في سوقِ منْ يزيد (الحراج) لا أساوي خمسة دراهم، وأنت
كذلك، غلامٌ تركيٌ لعلك لا تأتي بثلاثين درهماً، قيمتنا رخيصة ومع ذلك فأنت
منهمك في ملذاتك وفي المعاصي. وما يُرفع إلى الله من معاصيك أكثر مما يرفع من
طاعتك. وجنودك الذين تصرف لهم المال.. ما هم ؟ والله لجنودك الذين ينافحون عنك
بسيوف لا تتجاوز المترين، وبسهم لا يصل رميه إلى الثلاثين متراً، ومع ذلك فهم
منهمكون في الذنوب والمعاصي والخمور والمجالس السيئة والغناء واللهو واللعب
والعبث، فهؤلاء لا ينفعونك بشيء، أما أنا فأصرف الأموال على رجال إذا نام جندك
في الليل قام هؤلاء في محاريبهم، مدّوا أكف الضراعة إلى الله، وهلّت دموعهم
بالبكاء. ودعوا الله أن يحفظك وأن يحفظ جندك، وأن ينصرك على أعدائك. فأنت وجيشك
الذي يحميك في خفارة هذه الجنود الذين هم جيوش الليل. ولولاهم لكنت أنت في خبر
كان..
فلما سمع السلطان السلجوقي هذا الكلام بكى وقال له: أحسنت هذا أقوى من هذا
الجيش..
إذاً ليست القضية قضية مادية بحتة.
الأمانــة:
وهي أن تؤدي ما يجب عليك على الوجه الذي يطلب منك من غير تقصير ولا مجاوزة .
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال:
إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
قال تعالى: ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها
وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا ). (22)
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إن بعض الموظفين ربما يتوانى في تطبيق النظام
بحجة أن هذه أنظمة ليست مما أوجبه الشرع. أو أن الراتب الذي يتقاضاه من بيت مال
المسلمين وهذه حجة غير صحيحة. أما كونه ليس من الأنظمة الشرعية فإنه من الأنظمة
التي سنها ولاة الأمور وألزموا الموظف القيام بها، وما سنه ولاة الأمور ولم يكن
فيه معصية لله ورسوله فإنه يجب اتباعه لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى
الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ) (23)
وأما الحجة الثانية وهي أن هذا من بيت المال، فهذا مما يؤكد ويحتم على الموظف
أن يقوم بوظيفته أكثر وأكثر، فإن الحق إذاً يكون لعموم المسلمين، وفي الحديث:
"آية المنافق ثلاث" منها "وإذا أؤتمن خان".
الرقابة الذاتية :
إن من أهم ما ينبغي أن يُربى عليه جنود الإسلام: الرقابة الذاتية، فإن الجندي
إذا كان لا يعمل إلا مخافة المسؤول، فإن للمسؤول يعجز أن يكون عيناً على كل من
تحت إدارته، ولو بذل ما في وسعه لملاحظة مرءوسيه لكان ذلك على حساب ما يقوم به
من أعمال أخرى ولكن الجندي إذا رُبي على مراقبة الله، فإن الله لا يخفى عليه
خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.. وبالتالي يصبح الجندي
يعمل بمقتضى هذه الرقابة التي لا تنقطع.
ومما يروى في هذا قصة ذلك الراعي الذي مر عليه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه،
فقال له اسقنا من ألبان الإبل، فقال الراعي إن الإبل لسيدي، فقال عمر: إن سيدك
لا يراك، فقال الراعي فأين الله؟ فأخذ عمر يولول وهو يقول إي والله فأين الله؟.
فانظر رحمك الله إذا حلت رقابة الله في القلب ماذا تفعل.. لهذا فإنه من الواجب
أن نذكر القادة بضرورة تربية الجند على هذه الرقابة، والعمل على الأسباب
الجالبة لها.
الوعي الديني هو السبيل إلى حل معضلات الجندية:
إن من أخطر المز الق التي يقع فيها الجنود وتتسبب في كثير من المشاكل التي
نراها ونلاحظها هي الغيبة، والوقوع في أعراض المسؤولين، فترى الكثيرين لا هم
لهم إلا التحدث في الضابط الفلاني، وفي صاحب الأمر العلاني، وقد يصل الحد إلى
لعنه فضلاً عن الاستهزاء به وتنقصه.. وهذا يملأ القلوب بألشحناء والبغضاء،
ويزرع التنصل من المسئولية وعدم الطاعة.. إلى غير ذلك من المشاكل الكثيرة التي
لا تخفى على ذي لب، والحل لا يكون إلا في أن يعلم هؤلاء أن الغيبة كبيرة من
كبائر الذنوب سوف يُحاسَب عليها أمام الله قال تعالى ما يلفظ من قولٍ إلا
لديه رقيب عتيد ) (24)
وكما أن (لحوم العلماء مسمومة) وغيبة الدعاة والصالحين ليست كغيبة غيرهم من
الناس. فإن ولاة الأمر والمسؤولين كذلك، لما يترتب على غيبتهم من المفاسد
العظيمة، والمخاطر الجسيمة.
وفي الجانب الآخر نجد بعض من يتولى المسؤولية أياً كانت يتعسف في الأمور، ولا
يراعي المصالح والمفاسد، وهذا علاجه في معرفة قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فَشَقَ عليهم فاشقق عليه" (25)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش
لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة" (26)
الإسلام أعظم سلاح يهابه الأعداء :
نعم إن الغرب في هذه الأيام قد أعلنها صريحةً قائلاً بملء فيه: إن العدو البديل
للشيوعية هو الإسلام. ولا عجب أن يخافوا من الإسلام على الرغم من ضعف أبنائه..
فهم قد جرّبوا الإسلام في معارك وحروب إذا كان قد نسيها بعض أبناء المسلمين فإن
التاريخ لم ينسها، والغرب لا يزال يذكرها.
ولا عجب فان الله ورسوله قد أخبرا بذلك قال تعالى: ( وأعدّوا لهم ما استطعتم من
قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم..الآية ) (27)
وفي هذا دلالة واضحة أن الإسلام يخيفهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "نصرت
بالرعب مسيرة شهر" (28)
ولذلك فإنه يتحتم علينا ـ جند الإسلام ـ أن نراجع ديننا حتى يهابنا أعداء الله…
وهذا يجعل المسؤولية تتضاعف على كاهل كل من يستطيع أن يفعل شيئاً في هذا الشأن.
فإنا إذا كنا لا نستطيع أن نصنع القنابل الذرية ضد أعداء الله، فإننا نستطيع
فعل ما هو أعظم من ذلك، ألا وهو التزامنا بدين الإسلام الذي يخافه الأعداء أكثر
من خوفهم من القنابل، أو القذائف، والصواريخ .
اللهم أعز دينَك وأعلِ كلمتَك وانصر أولياءَك واخذل أعداءَك واجعلنا جُنداً من
جُندِك وارزقنا الشهادةَ في سبيلك، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين وصلى
الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.